مكافحة الجريمة المنظمة
تمثل الجريمة المنظمة أخطر الجرائم التي تهدد المجتمعات في الوقت الحالي خاصة مكافحة الابتزاز في السعودية سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، وحتى على المستوى السياسي. وهذا بسبب التحالفات الإجرامية التي تعمل على المستوى الدولي، من أجل فرض سيطرتها على الدول في حد ذاتها، ومن أجل تحقيق أكثر ربح ممكن . الأمر الذي أدى إلى محاولة تكثيف الجهود الدولية والإقليمية والوطنية من أجل مكافحة هذه الجريمة، ومن بين هذه الآليات المخصصة لمحاربة الإجرام المنظم نجد: المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أو ما يعرف حالياً باسم الإنتربول”، والتي تم إنشاءها سنة 1923. ويظهر هدفها الأساسي في ضمان التعاون والتنسيق بين الدول لتعقب المجرمين والقبض عليهم في أي بلد كانوا فيه.
ويحاول هذه المقال إلقاء الضوء على الجهود التي تبذلها هذه المنظمة في مكافحة الجريمة المنظمة، وهذه من خلال إلقاء الضوء أولا على ماهية الجريمة المنظمة، ثم إلى دراسة نظرية لمنظمة الشرطة الدولية الجنائية، وفي الأخير نحاول تسليط الضوء على الجهود التي يبذلها الإنتربول لمكافحة الجريمة المنظمة.
إن التطور التكنولوجي والتقني في مختلف المجالات ونمو التجارة الدولية، ونمو الاقتصاد الدولي و توسيع مناطق التبادل الحر، وكذا ظهور العولمة التي جعلت العالم كالقرية الكبيرة تتفاعل فيه جميع المكونات من أشخاص القانون الدولي، والتي ساهمت في إزالة الحدود بين الدول، أدى كل هذا إلى عولمة الاقتصاد وعولمة الثقافة، و كذلك نتج عنها عولمة الجريمة، بحيث انطلقت الجريمة من النطاق الداخلي للدولة إلى النطاق الدولي. ولذلك أطلق على هذا النوع من الجريمة مصطلح الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو الجريمة المنظمة عبر الدول، وقد أدى هذا إلى ظهور منظمات إجرامية خطيرة تعمل على المستوى الدولي من خلال الاعتماد على إستراتيجية معينة، وهي إستراتيجية التحالفات بين المنظمات الإجرامية الوطنية بهدف فرض هيمنتها وكذلك السيطرة على الدول مما جعل الجريمة المنظمة من أكبر التحديات التي تواجه الدول بدون تمييز بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة.
ماهية الجريمة المنظمة:
إن كل دولة تأثرت سلباً بخطورة الجريمة المنظمة، وكان هذا لا يخفي اختلاف وجهات النظر بين الدول حول مفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فنما قد تعتبره بعض الدول جريمة خطيرة تهدد استقرار الدول، قد تنظر إليه دول أخرى على أنه لا يشكل جريمة خطيرة. وهذا يبين أن تعاون المجتمع الدولي على إيجاد أفضل السبل لمكافحة هذه الظاهرة يتطلب تنسيق الجهود لوضع مفهوم موحد.
وعدم الرسو على تعريف موحد راجع لعدة اعتبارات والتي من بينها اختلاف مفهوم الجريمة من دولة لأخرى، واختلاف المصالح الاقتصادية والسياسية لكل دولة على حدة، بالإضافة إلى ذلك فإن الجريمة المنظمة لم تبقى مقتصرة على الأنشطة التقليدية، بل وسعت أشطتها لتشمل أنماطاً حديثة تتلاءم مع التطور التكنولوجي في مختلف المجالات، و كذلك يصعب تحديد مفهومهاً لطابع التدويل الذي تتميز به.
مفهوم الجريمة المنظمة
قبل الإشارة إلى تعريف الجريمة المنظمة، لابد من تحديد تعريف الجريمة في حد ذاتها وبالرجوع إلى أغلب التشريعات الوطنية فإنها لا تضع تعريفاً للجريمة وإنما تقتصر على بيان أركانها تاركة أمر تعريفها للفقه(1).
ومن بين التعريفات التي حددتها ما يلي:
”الجريمة هي كل عمل أو امتناع عن القيام بعمل غير مشروع يمنعه القانون ويقرع له جزاء في صورة عقوبة أو تدبير عقابي هما ينص عليه قانون العقوبات(2).
أما بالنسبة لتعريف الجريمة المنظمة فنتناوله في فرعين: التعريف الفقهي والتعريف القانوني.
التعريف الفقهي للجريمة المنظمة:
يعرفها الدكتور محمد فاروق النبهان الجريمة المنظمة” بأنها تلك الجريمة التي أفرزتها الحضارة المادية لكي تمكن الإنسان المجرم من تحقيق أهدافه الإجرامية بطريقة متقدمة لا يتمكن القانون من ملاحقته بفضل ما أحاط نفسه من وسائل يخفي بها أغراضه الإجرامية، ولا بد لتحقيق هذه الغاية من تعاون مجموعة من المجرمين”(3).
وعرفها الدكتور مصطفى طاهر بقوله: “الجريمة المنظمة جريمة متنوعة ومعقدة من الأنشطة الإجرامية والعمليات السريعة واسعة النطاق، متعلقة بالعديد من السلع والخدمات غير المشروعة تهيمن عليها عصابات بالغة القوة والتنظيم، تضم آلاف المجرمين من مختلف الجنسيات، وتتم بقدر كبير من الاحتراف والاستمرارية وقوة البطش، وتستهدف تحقيق الربح المالي واكتساب القوة والنفوذ باستخدام أساليب عديدة ومختلفة(4).
تعريف اتفاقية الأمم المتحدة للجريمة المنظمة لعام2000:
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي أبرمت في باليرمو بإيطاليا سنة 2000 فقد عرفت الجريمة المنظمة بدلالة المنظمة الإجرامية، حيث جاء فيها في المادة 2 فترة –أ- ما يلي “يقصد بتعبير جماعة إجرامية منظمة جماعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من ثلاث أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة والأفعال المجرمة وفقاً لهذه الاتفاقية، ومن أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى”.
أما الفقرة -ب- فقد جاء فيها “يقصد بتعبير جريمة خطيرة سلوك يمثل جرماً يعاقب عليها بالحرمان التام من الحرية لمدة لا تقل عن أربعة سنوات أو بعقوبة أشد”.
و ما يلاحظ على التعريف أنه ركز على المنظمة الإجرامية التي تمارس النشاطات الإجرامية بحيث أشار التعريف إلى مجمل عناصر التنظيم المتمثلة في الاستمرارية، والسعي لتحقيق الربح المالي بارتكاب الجرائم الخطيرة، وقد اعتبرت الاتفاقية حتى يمكن الوصول إلى درجة الجريمة الخطيرة لابد أن تكون عقوبتها لا تقل عن أربع سنوات.
من جهة أخرى عرفتها المنظمة الدولية للشرطة الجنائية في الندوة الدولية الأولى التي عقدت في سانت كلود بفرنسا عام 1988 والتي خصصت لموضوع الجريمة المنظمة بحيث أوردت تعريفاً واسعاً “الجريمة المنظمة أي مشروع أو مجموعة من الأشخاص تعمل بصورة مستمرة في نشاط غير قانوني ويكون باعثها الأساسي الحصول على الأرباح دون اعتبار للحدود الوطنية” (5).