حالة الإعسار في القانون المدني الكويتي
تعتبر حالة الإعسار في القانون المدني الكويتي حالة واقعية اكتنفها التجهيل القانوني على الرغم من اثارها الخطيرة بالنسبة للدائن والمدين.
فعلى خلاف بعض القوانين المقارنة التي نظمتها بشكل أو بآخر كالقانون المدني المصري وقانون حماية المستهلك الفرنسي، لم يتناول القانون الكويتي الإعسار كحالة قائمة بذاتها بشكل مجرد يترتب على وجودها بعض الآثار القانونية لحماية كل من الدائن والمدين من مخاطر تلك الحالة.
فحالة الإعسار قد تجعل من تنفيذ الالتزام صعبا أو مرهقا أو حتى في بعض الحالات مستحيلا على الوفاء بالدين المستحق عليه.
كأن يفصل المدين عن عمله فيفقد مصدر دخله أو يتعرض لظروف خارجة عن إرادته تجعله غير قادر على سداد مبلغ الدين.
ومع ذلك، فإن حالة الإعسار لم تكن غائبة عن ذهن المشرع الكويتي، الذي أشار إليها بشكل مباشر أو غير مباشر في القواعد العامة أو في بعض النصوص الخاصة، مدركا الخلل الذي تسببه تلك الحالة، فرتب عليها بعض الآثار في مواجهة الدائنين والغير دون أي إجراء موحد أو جماعي.
فالمادة 308 مدني تقضي بأن لكل دائن، ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل باسم مدينه حقوق هذا المدين المالية، إلا ما كان منها متصلا بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز، إذا أثبت أن المدين لم يستعمل هذه الحقوق وان عدم استعماله إياها من شأنه أن يسبب إعساره أو زيادة الإعسار.
وتنص المادة 209 مدني على أن لكل دائن حقا مستحق الأداء، وصدر من مدينه تصرف ضار به، أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف في حقه، إذا كان التصرف قد أنقص من حقوق المدين أو زاد في التزاماته، وترتب عليه إعسار المدين أو زيادة إعساره، وذلك إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادتين التاليتين.
فلا يوجد في القانون المدني الكويتي نظام للإعسار المدني، كنظام الإفلاس التجاري الوارد تنظيمه في قانون التجارة؛ بمعنى التصفية الجماعية لأموال المدين، بحيث توزع امواله على دائنيه بنسبة دين كل منهم، تحت إشراف القضاء.
فالقانون المدني الكويتي تناول حالة الإعسار من خلال منظور موضوعي لا شخصي، فهو لا يأخذ بعين الاعتبار شخص المدين إلا باعتباره مدينا ملزما بتنفيذ ما هو واجب عليه تنفيذه بغض النظر عن إمكانياته الفعلية في التنفيذ.
فالمدين يبقى دائما خاضعا تحت وطأة الالتزام دون أن تمنحه تلك الحالة أي اهتمام أو عناية قانونية خاصة ما عدا ما نصت عليه المادة 410 من القانون المدني، التي تتيح للقاضي أن يمهل في الوفاء أو يمنحه ما يسمى نظرة الميسرة.
لذلك ظهرت الحاجة في بعض القوانين المقارنة إلى إيجاد نظام قانوني يوفر الحماية القانونية سواء للدائن أو المدين، فنظام الإعسار الذي استحدثه المشرع المصري في القانون المدني من خلال إمكانية شهر إعسار المدين (مادة 249 وما يليها) يعتبر نظاما خاصا لمواجهة حالة الإعسار ومعالجتها مراعاة لمصلحة كل من الدائن والمدين.
فيحقق للدائن حماية عامة له من تصرفات المدين الضارة به دون أن يحتاج إلى الطعن في كل منها بالدعوى البوليصية أو بالصورية.
كما يحقق قدرا من المساواة بين الدائنين العاديين” إذ ليحول دون تمكن الدائن من تمييز حقه عن حقوق الدائنين الآخرين بالمبادرة إلى استيفائه، أو بالحصول على تأمين خاص لهذا الحق، وان كان شهر إعسار المدين لا يمنع الدائن من اتخاذ إجراءات المطالبة بحقه أو التنفيذ به على أموال المدين، دون ارتباط بالدائنين الآخرين ” أي لا يمنع الدائنين من اتخاذ إجراءات فردية.
كما أن المشرع الفرنسي قد تبنى نظاما قانونيا خاصا لحماية المستهلك وفقا لما يسمى علاج حالات المديونية Traitement des situations de surendement الوارد تنظيمه في قانون حماية المستهلك بهدف حماية المدين من البؤس والإقصاء الاجتماعي ، ومن أجل ضمان الأمل بحالة اجتماعية أفضل عندما يستحيل عليه الوفاء بجميع ديونه الحالة والمؤجلة ، مستبعدا بذلك مبدا القوة الملزمة للالتزام أيا كان مصدره .
ولعجز القواعد العامة في القانون الفرنسي عن احتواء حالة الإعسار، وضع المشرع الفرنسي بعض الإجراءات الخاصة لإخراج المدين المستهلك من حالة الإعسار مع مراعاة مصلحة الدائن في الوقت ذاته.
طالع ايضا : القانون المدني القطري
وبما أن المدين في القانون الكويتي يخضع لنظام الإفلاس عندما يكون تاجرا (م 558/ 1 تجاري)، فإن المدين غير التاجر يبقى خاضعا للقواعد العامة التي تستوجب تنفيذ المدين لالتزامه بصرف النظر عن حالته المالية ومدى قدرته على التنفيذ، ما لم يحصل على أجل قضائي délai de gràce محدد بفترة زمنية معينة، ومن ثم وقف إجراءات التنفيذ المتخذة من قبل الدائن.
ففي جميع الأحوال تكون حدود نظرة الميسرة هي منح المدين أجلا، وليس المقصود بذلك الأجل معالجة حالة الإعسار وانما تنفيذ المدين لالتزامه.
ومن خلال تلك القواعد العامة سنبحث في مفهوم حالة الإعسار (المبحث الأول)، ومدى الحماية القانونية لمواجهة تلك الحالة .
تعريف حالة الإعسار
في ظل غياب التنظيم القانوني لحالة الإعسار من قبل المشرع الكويتي واستنادا إلى المادة 313 من القانون المدني التي تنص على أنه ” إذا ادعى الدائن إعسار المدين، فليس عليه إلا أن يثبت ما في ذمته من ديون.
وعلى المدين إذا ادعى يسره أن يثبت أن له من المال ما يساوي قيمة الديون أو تزيد عليها”، يرى الفقه أن حالة الإعسار هي حالة واقعية تنشأ بمجرد استغراق ديون المدين.
– سواء كانت مستحقة الأداء أم غير مستحقة ما دامت محققة الوجود – لحقوقه ، أو بمعنى اخر عدم كفاية ما في ذمة المدين من أموال للوفاء بما عليه من ديون ، سواء كانت ديون حالة أم غير حالة .
فالمقصود بالإعسار، تطبيقا للنص المشار إليه، الإعسار الفعلي تعبيرا عن الذمة المالية التي تظهر مجموع ما للمدين وما عليه من حقوق والتزامات حالية ومستقبلية.
فالذمة المالية للشخص مجموعة قانونية تتكون من عنصر إيجابي (حقوق) وعنصر سلبي (ديون) والتغيرات التي تطرأ على هذه العناصر تزيد أو تنقص منها هي التي تحدد حالة المدين المالية باعتباره معسرا أو موسرا.
فكلما زادت ديون المدين على حقوقه المالية اعتبر المدين في حالة إعسار فعلي .
يؤخذ على هذا التعريف الربط التام بين الذمة المالية وحالة الإعسار.
فالإعسار الفعلي الذي يكون لمجرد زيادة ديون المدين على حقوقه ما هو إلا الحالة المالية للمدين تعبيرا عما تحتويه ذمته من ديون وحقوق مالية.
فقد لا يكون لتلك الحالة أي تأثير على الالتزام ” اي على قدرة المدين في تنفيذ التزامه. فمن المتصور، في كثير من الأحيان، ان يكون المدين قادرا على سداد ديونه المستحقة الأداء على الرغم من إعساره فعليا.
فحالة الإعسار ينبغي تحديدها في إطار تنفيذ الالتزام أي بمدى قدرة المدين على تنفيذه، أو بمعنى آخر عندما يكون المدين غير قادر على تنفيذ الالتزام أو يستحيل عليه تنفيذه ولهذا، نعتقد بأن الإعسار الفعلي بهذا المفهوم ليس بالإعسار المقصود الذي اشارت إليه نصوص القانون المدني، كما سنرى لاحقا.
يمكن لنا القول: إن حالة الإعسار، كحالة واقعية، هي الحالة المالية للمدين الناتجة من التضاد والتنافر بين مجموع عناصر الجانب الإيجابي والسلبي لذمته المالية.
أو بمعنى آخر عدم التوازن المالي الواضح بين ديون المدين وحقوقه المالية. وإذا كانت تلك الحالة تقوم على فكرة الصلة والارتباط بين الديون والحقوق؛ بحيث يكون المدين معسرا كلما زادت ديونه على حقوقه، فمن المهم تحديد مفهوم تلك العناصر باعتبارها عناصر حالة الإعسار.
لتحميل الدراسة كاملة : من هنا