أسباب التعثر في التمويل المصرفي

أسباب التعثر في التمويل المصرفي

إن من المهام الرئيسية للمصارف قبول الودائع من العملاء واستثمار تلك الأموال في تقديم التمويل أو المرابحات والتسهيلات الائتمانية وخلافها من أوجه توظيف الأموال، وبالتالي تظل مخاطر الائتمان من أهم المخاطر المتعلقة بالعمليات المصرفية، وقد أكدت على ذلك لجنة بازل عند وضعها الإطار التنظيمي اللازم للرقابة على الأعمال المصرفية .

وقسمت المخاطر التي ينبغي التحوط لها إلى مخاطر الائتمان ومخاطر العمليات المصرفية، ومخاطر السوق، وقد نص قانون بنك السودان المركزي وقانون تنظيم العمل المصرفي ومنشورات ضبط وتنظيم العمل المصرفي التي تصدر من البنك المركزي بانتظام واستمرار على ضرورة وجود سياسات واضحة لمنح الائتمان أو التمويل والتأكد من الجدارة الائتمانية للعميل قبل منحه التمويل.

ونتيجة لعدم الالتزام بسداد استحقاقات البنوك ظهر ما يعرف بالتمويل المتعثر، وهو الإخفاق في السداد وهذا التعثر له أسباب كثيرة منها ما هو راجع للعميل- وهي أكثر أسباب التعثر- ومنها ما يرجع للبنك وأسباب أخرى عامة سوف نذكر بعضها على النحو التالي:-

القسم الأول: أسباب التعثر الراجعة للعميل

وهي أكثر أسباب التعثر شيوعاً وتتمثل في عدة صور منها:

1/ استخدام التمويل في غير الغرض الذي منح من اجله: ويتم ذلك إما من خلال استخدام مبلغ التمويل في أغراض شخصية بحتة سواء عن طريق الصرف الاستهلاكي مثل اقتناء سيارات فارهة أو لتكملة مباني أو لتكملة مراسم زواج أو غيرها، على أن يسدد من أجر وظيفته دون أن يضع حسابات لما يحدث له من تقلبات الزمن وحينئذ يحدث التعثر لهذا السبب.

هذا البند الأول هو غالباً ما يحدث عندنا في السودان وفي الدول المماثلة له اقتصادياً، خصوصاً وأن الشباب اليوم يغلب عليهم الطابع الترفيهي التقليدي، فالبعض يحاول جاهداً لأن يكون مساوياً لأمثاله من الأثرياء أو يدخل في عمل تجاري يفوق إمكاناته المادية والإدارية.

كذلك قد يتم استخدام التمويل في غير الغرض الذي منح من أجله عن طريق استخدامه في أوجه استثمارات مختلفة عن الغرض الذي منح من أجله التمويل أو التسهيل، وقد نظمت بعض القوانين في الدول العربية ذلك، فجاء في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد المصري لسنة 2003 في المادة 64 منه (إلتزام كل بنك بالتأكد من أن التمويل والتسهيلات الائتمانية تستخدم في الأغراض والمجالات التي حددت في الموافقة الائتمانية وأن يتابع ذلك)، كما حظرت على العميل استخدام التمويل أو التسهيلات في غير الأغراض التي حددت من أجلها وكذلك نص ذات القانون على معاقبة العميل المخالف لذلك بالحبس والغرامة أو بإحدى العقوبتين).

2/ ومن أسباب التعثر الراجعة للعميل المشاكل الإدارية: مثل نقص الخبرات الفنية والإدارية أو التسويقية أو الدخول في أوجه نشاطات أخرى إضافة للنشاط الرئيسي- وهذا يؤثر سلباً على النشاط الرئيس للعميل ويجعله يتعرض لخطر التعثر.

3/ ومن الأسباب أيضا أخلاقيات وسلوك العميل وتردي أنشطته السابقة وعلاقات العميل الاجتماعية بالبنك: مثل صلة القرابة مع أحد الموظفين، كل ذلك يجعلهم ينظرون إلى هذه العلاقات من ناحية المجاملات بحسبان أن يجدوا نوعا من المرونة إذا ما تعثروا في السداد.

4/ ومن أسباب التعثر الراجعة للعميل سداد المديونية المتعثرة بأخذ تمويل جديد من بنك آخر: ويتم ذلك بأن يقوم العميل المتعثر بتقديم طلب مرابحة لتمويل مشروع معين قاصداً أن يسدد به المديونية الأولى وبهذا يكون قد سدد مبلغاً متعثراً ودخل في تعثر جديد طالما أنه لم يستغل مبلغ التمويل المصرفي أو المرابحة في الغرض الذي طلب من أجله وإن كان هذا الأمر قد تم حسمه بواسطة بنك السودان المركزي وذلك بمنع تمويل المتعثرين.

جاء ذلك في المنشورات الصادرة من إدارة تنظيم العمل المصرفي بالبنك المركزي ونص صراحة على ألا يمول المتعثرون مرة أخرى ولابد من إجراء استعلام للعميل قبل تمويله إلا أن العملاء قد يأتون بأسماء أخرى اعتبارية كالشركات وأسماء الأعمال أو استغلال أشخاص طبيعيين لأخذ التمويل بأسمائهم لمصلحة المتعثرين الممنوعين من التمويل مما يصعب معه التأكد من سلامة الاستعلام.

طالع ايضا :أثر المصاريف على الاستمرارية في مؤسسات التمويل الصغرى غير الربحية الأردنية pdf

القسم الثاني: أسباب التعثر الراجعة للبنك:

على الرغم من أن البنك لا يمكن أن يكون سبباً في التعثر باعتبار أنه المتضرر وصاحب الدين، إلا أنه قد تحدث في بعض الأحيان أخطاء بطريقة غير مباشرة أو بطريقة غير مقصودة ومنها:

1/ حدوث خطأ في الدراسة الائتمانية والتقدير السليم لاحتياجات المشروع التمويلية أو عدم المتابعة المنتظمة لإستخدام العميل للتسهيلات الائتمانية المقررة، مما قد يؤدي إلى استنفاذ مبلغ التسهيل قبل الانتهاء من المشروع وبدء الإنتاج، وكذلك عزي بنك السودان مؤخرا إن من أسباب التعثر بالجهاز المصرفي هو تركيز المصارف التمويل في عدد قليل من العملاء.

2/ وكذلك من أسباب التعثر الراجعة إلى البنك عدم الحصول على البيانات الأساسية عن العميل ونشاطه مثل معرفة البيانات من شهادة السجل التجاري للجهات الاعتبارية وعدم إتباع الأسس السليمة عند منح التمويل، وكذلك عدم دراسة القدرة الائتمانية للعميل من مستندات وبيانات لتقديم الجدارة الائتمانية والدخل والتدفقات النقدية ودراسة جدوى العملية المراد تمويلها والوقوف على التزامات العميل المالية كلها ومعرفة أن يتناسب حجم النشاط الذي يمارسه العميل وحجم المخاطر التي قد يدخل فيها، وإضافة لذلك عدم التأكد من صحة البيانات والمعلومات التي يدلي بها العميل عن سمعته التجارية وموقفه المالي في السوق. ومعرفة مدى قبول السوق للسلعة الممولة وجدية المشروع وأرباحه المتوقعة وإعطاء بيانات غير صحيحة عن الموقف المالي وسمعته التجارية وخبرته في ذات المجال.

3/ وكذلك عدم متابعة الضمانات والتأكد من صحتها بإستخراج شهادات بحث للأراضي كل فترة ومتابعة رهن المنقولات الأخرى والتأكد من عدم تصرف العميل فيها بصورة أو بأخرى، ومن أسباب التعثر الراجعة للبنك موافقة البنك على إعطاء العميل للتمويل على الرغم من ثقة البنك من عدم جدوى المشروع الذي يراد تمويله وهذا قد يكون راجعاً لأسباب سياسية أو مجاملات اجتماعية.

القسم الثالث: أسباب عامة:

  • وهي الأسباب التي ليس للعميل أو البنك سبب فيها إنما هي لعوامل الطبيعة ومن هذه الأسباب الظروف الطارئة والقوة القاهرة مثل الزلازل والبراكين أو الأحداث الإرهابية والشغب والمظاهرات التي تؤثر في كافة المجالات في بلد معين والتي قد توقف نشاط العميل التجاري أو الخدمي.
  • ومنها كذلك التعديل المفاجئ في القرارات المنظمة للأنشطة الاقتصادية بما يؤثر تأثيراً سلبياً على المشروعات القائمة مثل التعريفة الجمركية التي قد تؤدي إلى الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الخام ومنها كذلك التغيرات المفاجئة في السياسات النقدية والتي تؤثر في سعر الصرف.
  • وكذلك من أسباب ظاهرة التعثر- العامة- كما يرى رجال الأعمال الضغوط الاقتصادية والتقدير الضريبي الجزافي والتدهور في سعر العملة الوطنية والإغراق الذي يحصل للسلع في الأسواق لسياسات غير مدروسة، وأيضاً فإن سياسة الانفتاح الاقتصادي والخصخصة كانتا دافعين لولوج فئات جديدة للتجارة والاستثمار بوسائل محدودة ودراية متواضعة وكذلك انخفاض الأسعار في ظروف مفاجأة، أيضاً يدخل من ضمن الأسباب العامة للتعثر وهذا بدوره قد يدخل العميل في خسارة لم يكن يتوقعها وبالتالي يصعب عليه سداد التزاماته كلها أو بعضها وفي مواعيدها.
  • وفي اعتقادي أيضاً من الأسباب العامة للتعثر البطء في البت في القضايا أمام المحاكم وإطالة أمد التقاضي في السودان وتضارب القوانين في التعامل والتصرف في الضمانات وكذلك دخول البنوك في تسويات قد لا يترتب عليها سداد فعلي في الغالب، وكذلك عدم وفاء وزارة المالية والجهات الحكومية بما إلتزمت به من سندات أوامر الدفع المستدامة مما يجعل العملاء لا يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم.

مع يقيننا من جدارة وكفاءة موظفينا وتمرسهم على أسس ولوائح العمل، كما لابد لنا من يقظة تجعلنا نتدارك بالقدر المستطاع ما وراء ظاهر الحال لأن الإنسان خلق هلوعاً وضعيفاً.

الكاتب : عادل محمد الناير 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *